وكالة نبض الشعب/بغداد
بقلم : فراس الحمداني
كان الجميع يبكي والمحيطون بالموسيقار الألماني بتهوفن في غرفته وهو ينازع الموت ينظرون إليه ليودعوه وهو يغادر الحياة طلب منهم التوقف عن البكاء والتصفيق صاح فيهم صفقوا صفقوا صفقوا صفق الجميع .. قال لهم وهو يبدو في راحة : ( إنتهت المهزلة ) ورحل من الدنيا .
يبدو هذا أمراً لا يلائم الفكري الديني والذين يفكرون في الغيب والموت والآخرة والحساب والعقاب والجنة والنعيم فهم يعتقدون بوجود حياة أخرى ، ولكني يروق لي أن ألف وأدور حول تلك الكلمة ( المهزلة ) وأبحث في مقاصد بيتهوفن وما إذا كان يقصد الكفر ورفض الغيب أم إنه لا يعني بذلك أصلاً وكأنه يريد أن يصف معركة الحياة البائسة وتكرار المعاناة وما نفعله في حياتنا يومياً ( بالمهزلة ) . فقد ماتت زوجتي وهي تعاني الألم الفظيع ولم ينفع معها العلاج والأموال التي جمعتها لشراء منزل في حي راق ببغداد تحولت إلى المستشفى وصرفت كل ما عندي دون جدوى وما بقي من مبالغ بسيطة أنفقتها على نقل الجثمان إلى المقبرة وعلى التغسيل والتكفين والدفن وبعض التكاليف المتعلقة بمجلس العزاء على روحها المعذبة .
وبينما كنت حزيناً أنظر إلى طفليها الصغيرين الذين أصبحا يتيمين كان المعزون يحضنوني ويواسونني ويذكرونني بأننا جميعاً ميتون ويقولون أين أجدادك أين أصدقاؤك الذين غدرتهم الحروب وبعضهم ماتوا واحداً تلو الآخر فهذا سرقه المرض اللعين وذاك دهسته سيارة وهذا وهذا وهذا عدد لا يحصى ممن أعرف وممن لا أعرف . فالموت خطف الجميع وظل يتحرش بي ويبعث إلي بجنوده محاولين إختطافي إلى عالم المجهول وأنا أقوم وأبحث عن مزيد من الوقت لأواصل الحياة في هذه ( المهزلة ) المستمرة التي نراوغها ونحتال عليها ونتصنع من أجل أن لا نغادرها ونبقى في خضمها نعتاش على المعاناة والمرض والأطماع والرغبة في المزيد و المزيد . بالرغم من كوني وأنا الذي يئست وتجرعت مرارة تلك ( المهزلة ) أبحث عن منفذ نحو الآخرة التي أجهلها للتخلص من هذه الكارثة فقد عشت ما يكفي من أزمنة الخديعة والزيف والأكاذيب والمطامع وإنتظار ما سياتي مكرراً بائساً وأتذكر من رحلوا وأخمن أسماء من سيرحلون ولعلي أسبقهم جميعاً إلى العالم الآخر متمنياً الخلاص من عذاباتي تلك التي تتحكم بي وتسيطر على مشاعري وحواسي بالكامل .
الآن وقد رحلت زوجتي ومضى على ذلك الرحيل 25 عاماً ولحق بها مصطفى الذي تركته أمه رضيعاً ثم جاورها في المقبرة وهو شاب في ربيع العمر ، بعد ذلك لم يعد من سبب يجعلني أتشبث بالحياة ، فالطعام والشراب عادة يومية لكن الأمل لم يعد يهمني ، فقد قرأت جيداً كيف سيكون الغد وحتماً سيكون كئيباً بائساً ليس له وجه جميل كما كنت أظن بل شاحباً مكتئباً تملؤه البثور والأمراض بينما عيناه ذابلتان وكأنه مريض بمرض عجيب وغريب لا شفاء له وهي ربما سنة حياتية كاملة لا خلاص منها إلا بالموت والمغادرة السريعة ، فلم يعد يعنيني شيء ولا يغريني شيء في الحياة فمظاهر الفرح بائسة والناس تغيروا فأغلبهم محتالون كذابون فاسدون منافقون طماعون لا يكتفوا بشيء وحياتنا الجميلة التي تحولت إلى بؤس كامل وحقير ولا روح فيها فلماذا نتشبث بشيء لا نكسب من ورائه سوى العذاب والألم والدموع .. و ( المهزلة ) كما وصفها بتهوفن
.
0 التعليقات:
إرسال تعليق